الحرية مفهوم لا يعرفه الا الانسان الذي أخدت منه حريته، الحرية حب، جمال، أناقة، هواء، مفهوم و تفكير،

 

لما كنت في السجن لمدة 17 سنة كان تفكيري الوحيد هو الحرية هو الاتجاهات المعاكسة و الذهاب الى اي مكان أريده، كان تفكيري تروماتيزي بحيث كنت أفكر ليلا نهارا في هذه الكلمة، كلمة الحرية،

وسط السجن الامريكي اخدو مني حريتي و كبلو يدي و أفكاري ، يوم بعد يوم ارى الطيور تحلق فوق المساحات الخضراء و تنتقل من شجرة الى اخرى و من مكان الى اخر اما انا فكنت مكبل الأرجل و الأيادي امر عشرات المرات في اليوم بتفتيشات متوالية تفتيشات ليست بروتينية و لكن تفتيشات تعسفية اطعنت في حرمتي و شرفي و أصبحت اقل من الحيوان، لم اقدر ان اصرخ او أقول شيئا لان الحراسة كانت مشددة و ان قلت و لو كلمة واحدة رمو بي داخل الحجرة الفردية لمدة يعينها اصحاب القرار داخل السجن،

داخل السجون الامريكية كل سجين يعيش في عالمه الخاص، عالم غير مفهوم و خاصة للمساجين المحكوم عليهم ب 300 او 400 سنة،

فآلمحكوم عليه بهذا العدد من السنين لم يصبح يفكر في مفهوم الحرية لانه يوجد في مقبرة الغرباء، الكثير منهم يعيشون أزمات حادة، حتى قضية الانتحار أصبحت عندهم من المستحيل لان الحراسة مشددة ليلا نهارا،

فكم من سجين نجح في استعمال نقطة النهاية لحياته بعد محاولات عديدة، فكنت من اللذين يساعدون في ذفنه في مقبرة السجن، فكل سجن في اميركا له مقبرته الخاصة،

اما السجناء الغرباء مثلي اللذين لا يزورهم الأهل و الأحباب لان المسافات طويلة يعيشون في عالم الصمت الدائم ،

ايام السبت و الاحد تكون الزيارات العائلية كنت اعرف بأنني وحيد غريب حتى انني أصبحت لا اهتم بالموضوع،

نسيت في السجن الذي دام 6000 يوم و ليلة كيف هي لذة الحياة و رجعت الى الماضي عندما كنت طفلا صغيرا اتصلق الأشجار ادخل بعدها للبيت و تكون أمي في استقبالي،

كنت اريد التفكير ببطء لكي لا تنتهي ذكرياتي و اصبح خالي من الذكريات، كنت في نفس الوقت ارى ما يجري أمامي من نزاعات بين السجناء، ففي السجن الامريكي القوة هي التي تحكم و ان لم تكن قويا في عقلك و جسمك تصبح عبدا للأقوياء داخل السجن و تنفذ الأوامر بدون كلام، يعني تصبح محروما من الحرية الانسانية و في نفس الوقت عبد للإنسان،

كنت احسب لكل شي حساب لكي لا اسقط بين يدي السجناء المجرمون المحكوم عليهم بمئات السنوات،

فالتجربة داخل السجن جعلت مني نوعية اخرى في طريقة العيش داخل القفص الحديدي، 

و كنت دائماً اسمع صوتا داخل عقلي يقول "او حضي رأسك لا يفوزو بك القومان يا فلان" نعم الحسين السلاوي رحمه الله، في الكلمات معنى و قيمة ذهنية كبيرة، فإذا قيل هذا الكلام للناس التي تعيش و سط العالم الحر كيف يتماشى معها الانسان الذي ليست له حرية على الإطلاق،

داخل السجن كنت رقم للإدارة الامريكية فقط لا اكثر و لا اقل، هذا الرقم حملته مدة 17 سنة لم يتغير او يحول الى رقم اخر حتى في بعض الأحيان أنسى اسمي و أعطي رقمي للحراس و كأنني أصبحت رقما و ضاع الانسان من الرقم و اصبح الرقم هو المهم و الانسان منعدم،

خلال المدة التي قضيتها داخل مقبرة الغرباء لم احاول و لو مرة واحدة الهروب الى عالم الحرية لأنني كنت اعرف بان الحراسة كانت مشددة و اصحاب البنادق و البارود ينتضرون بكل حماس من يكون الضحية،

في أوقات الاستراحة كنت ارى الحراس كلهم على حذر و أصابعهم على بنادقهم ينتضرون الضحية،

لم يكن لي اصحاب داخل السجن كنت وحيد و خاصة بعد الصراع الذي دار بيني و بين سجين اخر أراد ان يغتصبني و سط حمام السجن ولكنه سقط في الفخ بحيت أخد نصيبه من الهلاك حتى لم يقدر المشي على أقدامه بعد السراع الذي دار بيني و بينه اصبح السجناء يحترمونني و لكن لم أكن اثق في احد لان السجن علمني كيف أعيش و سط مقبرة الغرباء،

الكلام الذي كنت أردده كل مرة عندما يضيق بي الحال كان "حسبي الله و نعم الوكيل" لقد ضاع شبابي في السجن و انا بريء من كل شيء لم يسبق لي في سنين الحرية ان تعاملت معاملة سوء مع الناس، لم يسبق لي دخول السجون و لا إدارات الشرطة، لم يسبق لي ان أفكر في لذة الحرية، كانت الحرية في القديم شيء لا أتكلم فيه لآني كنت حرا، اذهب الى اي مكان و اجلس في اي مكان و اخرج و ادخل البيت في اي وقت،

لكن قدر الله علي هذا الامتحان العويص في حياتي لكي أحاسب نفسي و أراجع مقررا تي الفكرية،

فأنا لا أقول للله لماذا انا لكنني أقول أستغفرك و قدرك مقبول و لا حول و لا قوة الا بالله، كثر إيماني في السجن و ازدادت محبتي للله و كنت محافظا على طريقة معاملتي مع السجناء و لو اني كنت و سط البركان،

تعلمت الكثير في السجن ، تعلمت قيمة الحرية و قيمة طلوع الشمس و غروبها، تعلمت الإيمان بالله و الاستسلام الى قدره، تعلمت كيف أتعامل مع نفسي قبل ان أتعامل مع الناس، كتبت كتابين خلال مدة 17 سنة سجنا،

لم أكن اعرف الأعياد و لا الحفلات ، فقدت الضحك و لكن الذاكرة بقت راصخة في فكري، داكرت الأيام التي قضيتها مع أصدقاءي في الدار البيضاء و أوربا، فقدت صورة أمي التي ماتت في سنة 2002 من قسوة الألم و الحزن في ماساتي، 

كان الحكم قاسيا بدون حجة و لا شهود، لم يكن فقط حكم لكنه كان دمارا لشبابي، دخلت السجن و انا شاب في الثلاثينيات و خرجت من السجن و انا في الخمسينيات، أخدوا مني فرحي و بسمتي أخدوا مني شبابي الذي لا يعود، و لكن لم يقدروا ان يؤثروا في عقلي، بقيت على طريقتي بحت لم أعملك السجناء ، لم أوشم على جسدي و لا على و جهي او راسي، لم اعانق عصابة ما في السجن، كان الله يحفظني من كل مكروه، كان الله في قلبي ،

 

و مرت الأيام و الشهور و السنين، طلبت السراح و رفض، طلبت السراح الموقت فرفض و لم اعرف السبب بحيت كانت أخلاقي و معاملاتي حسنة و سط السجن،

 

كتبت رسائل كثيرة للعفو عني و لم التقي بالأذن الصاغية، لم التقي بأصحاب القرار للنظر من جديد في قضيتي، حاولت في السنين الاولى المطالبة بالإفراج و كان الرفض هو الجواب،

 

السجون الامريكية و قساوتها لها سياسة خاصة لان السجون الامريكية لا تصلح السجناء للرجوع و الاندماج في المجتمع لكنها تكسر الانسان و كرامته، تجعل من اللص مجرما و من المجرم خطرا على المجتمع،

الكثير من السجناء سيضلون في السجن حتى الخروج الى مقبرة السجن،

 

بعد خروجي يومه 26 دجنبر من سنة 2013 رافقني مدير السجن الى الباب الرئيسي للسجن و قال لي كيف هو إحساسك بعد هذه السنوات، فأجبته و قل لقد خلقت مرتين الاولى من رحم أمي و الثانية من مقبرة الغرباء،

 

الخطوات الاولى خارج الباب الرئيسي للسجن كانت جد ثقيلة بحيث لم اصدق بأنني سوف اعانق الحرية و بأنني بعث من جديد، لكن العذاب لم ينتهي،

بعد المدة الطويلة التي قضيتها داخل السجن عدت كالطفل الصغير الذي يتعلم لأول مرة كيف يتمشى على رجليه و بعد السجن دخلت مرحلة ثانية و هي نوعية الاندماج في المجتمع ، 

بدأت فترة الاندماج التي سوف تدوم ثلاثة أشهر، كنت و لا زلت مراقب إلكترونيا، يعرفون الى اي مكان اذهب و التوقيت بالضبط،

بدأنا مرحلة الندماج في المجتمع و نحن 46 سجينا و ذلك في بداية شهر يناير 2014. اني اسكن الان في مركز بعيد على مركز الاندماج ب 200 كلم، للوصول الى المركز لا بد لي من أخد القطار و الاوطوبيس و اذا تعطلت على وقت الدخول و لو خمسة دقائق سوف يرجعوني الى السجن لأمضي ما تبقى لي من السجن حتى شهر ابريل من 

سنة 2022'

بدا عدد المندمجين كل يوم يقل فمن السجناء من فر و غادر ولاية نيويورك و منه من انتحر لانه لم يقدر ان يعيش خارج السجن و منهم من قبضت عليه الشرطة لانه لم يطبق قانون الاندماج،

لكنني قررت منذ البداية بان أكون حريص على مواعيدي و وقتي حتى اكمل الثلاثة أشهر المبرمجة في مركز الاندماج،

كما قلت قبل بدأنا البرنامج ب 46 شخصا و اليوم 6 ابريل 2014 لم يبقى الا خمسة أشخاص،

هذه هي السياسة الامريكية و تعاملها مع الأقليات السجناء،

 

بعد أسبوعين ان شاء الله سوف تنتهي مدة الاندماج و اخرج نهائيا من ولاية نيويورك لكي أتوجه الى و لأية كولورادو للعيش مع اخي الأصغر ما تبقى لي من حياتي،

و سوف احرص على طبع الكتابين الذي كتبتهما خلال مذة  17 سنك داخل السجون الامريكية،

 

لو لم أكون حاصل على الجنسية الامريكية لما طردوني من اميركا الى الأبد، أخدوا جميع حقوقي الانسانية و شبابي  و لكنني و الحمد لله ما زلت بجميع كيانا تي الفكرية للولوج مرة اخرى الى عالم الحرية و اللقاء مع عائلتي،

 

سعيد اكسيم 

ولاية نيويورك.   اميركا